فصل: (سورة السجدة: الآيات 6- 9).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة السجدة: الآيات 6- 9].

{ذلكَ عالمُ الْغَيْب وَالشَّهادَة الْعَزيزُ الرَّحيمُ (6) الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإنْسان منْ طينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ منْ سُلالَةٍ منْ ماءٍ مَهينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فيه منْ رُوحه وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئدَةَ قَليلًا ما تَشْكُرُونَ (9)}.
{أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ} حسنه، لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة، فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت إلى حسن وأحسن، كما قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسانَ في أَحْسَن تَقْويمٍ} وقيل: علم كيف يخلقه من قوله: قيمة المرء ما يحسن. وحقيقته، يحسن معرفته أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإتقان. وقرئ: {خلقه} على البدل، أي: أحسن، فقد خلق كل شيء وخلقه: على الوصف، أي: كل شيء خلقه فقد أحسنه. سميت الذرية نسلا لأنها تنسل منه، أي: تنفصل منه وتخرج من صلبه ونحوه قولهم للولد: سليل ونجل، و{سَوَّاهُ} قوّمه، كقوله تعالى: {في أَحْسَن تَقْويمٍ} ودل بإضافة الروح إلى ذاته على أنه خلق عجيب لا يعلم كنهه إلا هو، كقوله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَن الرُّوح}. الآية كأنه قال: ونفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبمعرفته.

.[سورة السجدة: الآيات 10- 11].

{وَقالُوا أَإذا ضَلَلْنا في الْأَرْض أَإنَّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ بَلْ هُمْ بلقاء رَبّهمْ كافرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْت الَّذي وُكّلَ بكُمْ ثُمَّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)}.
{وَقالُوا} قيل القائل أبى بن خلف، ولرضاهم بقوله أسند إليهم جميعا. وقرئ: {أئنا} و{أنا} على الاستفهام وتركه ضَلَلْنا صرنا ترابا، وذهبنا مختلطين بتراب الأرض، لا نتميز منه، كما يضل الماء في اللبن أو غبنا في الْأَرْض بالدفن فيها، من قوله:
وآب مضلّوه بعين جليّة

وقرأ على وابن عباس رضى اللّه عنهما: ضللنا، بكسر اللام. يقال: ضل يضل وضل يضل. وقرأ الحسن رضى اللّه عنه: {صللنا} من صلّ اللحم وأصلّ: إذا أنتن. وقيل: صرنا من جنس الصلة وهي الأرض. فإن قلت: بم انتصب الظرف في أَإذا ضَلَلْنا؟ قلت: بما يدل عليه إنَّا {لَفي خَلْقٍ جَديدٍ} وهو نبعث. أو يجدد خلقنا. لقاء ربهم: هو الوصول إلى العاقبة، من تلقى ملك الموت وما وراءه، فلما ذكر كفرهم بالإنشاء، أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة، لا بالإنشاء وحده: ألا ترى كيف خوطبوا بتوفي ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء، وهذا معنى لقاء اللّه على ما ذكرنا والتوفي: استيفاء النفس وهي الروح. قال اللّه تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} وقال: أخرجوا أنفسكم، وهو أن يقبض كلها لا يترك منها شيء. من قولك: توفيت حقي من فلان، واستوفينه إذا أخذته وافيا كاملا من غير نقصان. والتفعل والاستفعال: يلتقيان في مواضع: منها: تقصيته واستقصيته، وتعجلته واستعجلته. وعن مجاهد رضى اللّه عنه: حويت لملك الموت الأرض، وجعلت له مثل الطست، يتناول منها حيث يشاء. وعن قتادة: يتوفاهم ومعه أعوان من الملائكة.
وقيل: ملك الموت: يدعو الأرواح فتجيبه، ثم يأمر أعوانه بقبضها.

.[سورة السجدة: الآيات 12- 14].

{وَلَوْ تَرى إذ الْمُجْرمُونَ ناكسُوا رُؤُسهمْ عنْدَ رَبّهمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمعْنا فَارْجعْنا نَعْمَلْ صالحًا إنَّا مُوقنُونَ (12) وَلَوْ شئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكنْ حَقَّ الْقَوْلُ منّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ منَ الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعينَ (13) فَذُوقُوا بما نَسيتُمْ لقاءَ يَوْمكُمْ هذا إنَّا نَسيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْد بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}.
وَلَوْ تَرى يجوز أن يكون خطابا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وفيه وجهان: أن يراد به التمني، كأنه قال: وليتك ترى، كقوله صلى اللّه عليه وسلم للمغيرة: «لو نظرت إليها» والتمني لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كما كان الترجي له في {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لأنه تجرع منهم الغصص ومن عداوتهم وضرارهم، فجعل اللّه له تمنى أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الحياء والخزي والغم ليشمت بهم، وأن تكون لو الامتناعية قد حذف جوابها، وهو: لرأيت أمرا فظيعا. أو: لرأيت أسوأ حال ترى. ويجوز: أن يخاطب به كل أحد، كما تقول: فلان لئيم، إن أكرمته أهانك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، فلا تريد به مخاطبا بعينه، فكأنك قلت:
إن أكرم وإن أحسن إليه، ولو وإذ: كلاهما للمضى، وإنما جاز ذلك، لأن المترقب من اللّه بمنزلة الموجود المقطوع به في تحققه، ولا يقدر لترى ما يتناوله، كأنه قيل: ولو تكون منك الرؤية، وإذ ظرف له. يستغيثون بقولهم {رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمعْنا} فلا يغاثون، يعنى: أبصرنا صدق وعدك ووعيدك وسمعنا منك تصديق رسلك. أو كنا عميا وصما فأبصرنا وسمعنا فَارْجعْنا هي الرجعة إلى الدنيا {لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها} على طريق الإلجاء والقسر، ولكننا بنينا الأمر على الاختيار دون الاضطرار، فاستحبوا العمى على الهدى، فحقت كلمة العذاب على أهل العمى دون البصراء. ألا ترى إلى ما عقبه به من قوله: {فَذُوقُوا بما نَسيتُمْ} فجعل ذوق العذاب نتيجة فعلهم: من نسيان العاقبة، وأهل السنة لم يوجبوا على اللّه شيئا، وقالوا: كل ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن، خيرا كان أو شرا. واستلزام الارادة لوقوع المراد لا يستلزم القسر والإجبار للعباد، لما لهم من الكسب في أفعالهم، وإن كانت في الحقيقة مخلوقة للّه تعالى، كما تقرر في علم التوحيد.
وقلة الفكر فيها، وترك الاستعداد لها. والمراد بالنسيان: خلاف التذكر، يعنى: أن الانهماك في الشهوات أذهلكم وألهاكم عن تذكر العاقبة وسلط عليكم نسيانها، ثم قال: {إنَّا نَسيناكُمْ} على المقابلة، أي: جازيناكم جزاء نسيانكم. وقيل: هو بمعنى الترك، أي: تركتم الفكر في العاقبة، فتركناكم من الرحمة. وفي استئناف قوله: {إنا نسيناكم} وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم والمعنى فذوقوا هذا أي ما أنتم فيه من نكس الرءوس والخزي والغم بسبب نسيان اللقاء، وذوقوا العذاب المخلد في جهنم بسبب ما عملتم من المعاصي والكبائر الموبقة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {تنزيلُ الكتاب لا ريب فيه}.
قال مقاتل: المعنى: لا شكَّ فيه أنَّه تنزيل {منْ ربّ العالَمين}.
{أم يقولون} بل يقولون، يعني المشركين {افْتراه} محمد من تلقاء نَفْسه، {بل هو الحقُّ من ربّك لتُنْذر قومًا ما أتاهم من نذير من قبلك} يعني: العرب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأتهم نذير من قَبْل محمد عليه السلام.
وما بعده قد سبق تفسيره [الاعراف: 54] إلى قوله: {ما لكم منْ دونه من وليٍّ} يعني الكفار؛ يقول: ليس لكم من دون عذابه من وليٍّ، أي: قريب يمنعُكم فيرُدُّ عذابه عنكم {ولا شفيعٍ} يشفع لكم {أفلا تَتذكَّرونَ} فتؤمنوا.
قوله تعالى: {يدبّر الأَمر من السماء إلى الأرض} في معنى الآية قولان.
أحدهما: يقضي القضاء من السماء فينزّله مع الملائكة إلى الأرض، {ثم يَعْرُجُ} الملَك {إليه في يوم} من أيام الدنيا، فيكون الملَك قد قطع في يوم واحد من أيام الدنيا في نزوله وصعوده مسافة ألف سنة من مسيرة الآدمي.
والثاني: يدبّر أمر الدنيا مدة أيَّام الدنيا، فينزّل القضاء والقدر من السماء إلى الأرض، {ثم يعرُج إليه} أي: يعود إليه الأمر والتدبير حين ينقطع أمر الأمراء وأحكام الحكّام وينفرد الله تعالى بالأمر {في يوم كان مقداره ألف سنة} وذلك في يوم القيامة، لأنَّ كل يوم من أيام الآخرة كألف سنة.
وقال مجاهد: يقضي أمر ألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إلى الملائكة، فإذا مضت قضى لألف سنة آخرى، ثم كذلك أبدًا.
وللمفسرين في المراد بالأمر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الوحي، قاله السدي.
والثاني: القضاء، قاله مقاتل.
والثالث: أمر الدنيا.
و{يعرُج} بمعنى يصعَد.
قال الزجاج: يقال: عَرَجْتُ في السُّلَّم أعرُج، وعَرج الرجُل يعرَج: إذا صار أعرج.
وقرأ معاذ القارىء، وابن السميفع، وابن أبي عبلة: {ثم يُعْرَجُ إليه} بياء مرفوعة وفتح الراء.
وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء: {يَعْرجُ} بياء مفتوحة وكسر الراء.
وقرأ أبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: {ثم تَعْرُجُ} بتاء مفتوحة ورفع الراء.
قوله تعالى: {الذي أحسنَ كُلَّ شيء خَلَقه} فيه خمسة أقوال:
أحدها: جعله حَسَنًا.
والثاني: أحكم كل شيء، رويا عن ابن عباس، وبالأول قال قتادة، وبالثاني قال مجاهد.
والثالث: أحسنه، لم يتعلمه من أحد، كما يقال: فلان يُحْسن كذا: إذا عَلمه، قاله السدي، ومقاتل.
والرابع: أن المعنى: ألهم خَلْقه كلَّ ما يحتاجون إليه، كأنه أعلمهم كل ذلك وأحسنهم، قاله الفراء.
والخامس: أحسن إلى كل شيء خَلْقه، حكاه الماوردي.
وفي قوله: {خَلْقَه} قراءتان.
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: {خَلْقَه} ساكنة اللام.
وقرأ الباقون بتحريك اللام.
وقال الزجاج: فتحها على الفعل الماضي، وتسكينها على البدل، فيكون المعنى: أحسنَ خَلْقَ كلّ شيء خَلَقه.
وقال أبو عبيدة: المعنى: أحسن خَلْق كلّ شيء، والعرب تفعل مثل هذا، يقدّمون ويؤخّرون.
قوله تعالى: {وبدأ خَلْقَ الإنسان} يعني آدم، {ثم جعل نسله} أي: ذرّيته وولده؛ وقد سبق شرح الآية [المؤمنون: 12].
ثم رجع إلى آدم فقال: {ثُمَّ سوَّاه ونَفَخ فيه من رُوحه} وقد سبق بيان ذلك [الحجر: 29].
ثم عاد إلى ذريته فقال: {وجَعَل لكم السَّمْع والأبصار} أي: بعد كونكم نُطَفًا.
قوله تعالى: {وقالوا} يعني منكري البعث {أإذا ضَلَلْنا في الأرض} وقرأ عليّ بن أبي طالب، وعليّ بن الحسين، وجعفر بن محمد، وأبو رجاء، وأبو مجلز، وحميد، وطلحة: {ضَللْنَا} بضاد معجمة مفتوحة وكسر اللام الأولى.
قال الفراء: ضَلَلْنَا وضَللْنَا لغتان، والمعنى: إذا صارت عظامنا ولحومنا ترابًا كالأرض؛ تقول ضَلَّ الماءُ في اللَّبَن، وضل الشيء في الشيء: إذا أخفاه وغلب عليه.
وقرأ أبو نهيك، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة: {ضُلّلْنَا} بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى وكسرها.
وقرأ الحسن، وقتادة، ومعاذ القارىء: {صَلَلْنَا} بصاد غير معجمة مفتوحة، وذكر لها الزجاج معنيين.
أحدهما: أَنْتَنَّا وتَغَيَّرْنا وتغيَّرَت صُوَرُنا؛ يقال: صَلَّ اللحمُ وأَصَلَّ: إذا أنتن وتغيَّر.
والثاني: صرْنَا من جنس الصَّلَّة، وهي الأرض اليابسة.
قوله تعالى: {أإئنَّا لفي خَلْق جديد}؟! هذا استفهام إنكار.
قوله تعالى: {الذي وُكّل بكُم} أي: بقبض أرواحكم {ثُمَّ إلى ربّكم تُرْجَعُون} يوم الجزاء.
ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: {ولو ترى إذ المجْرمون ناكسو رءوسهم} أي: مُطأطئوها حياءً وندمًا، {ربَّنا} فيه إضمار {يقولون ربَّنا} {أبصَرْنا وسَمعْنا} أي: عَلمْنا صحَّة ما كنَّا به مكذّبين {فارْجعنا} إلى الدنيا؛ وجواب لو متروك تقديره: لو رأيتَ حالهم لرأيتَ ما يُعتبر به، ولشاهدت العَجَب.
قوله تعالى: {ولكنْ حَقَّ القولُ منّي} أي: وجب وسبق؛ والقول هو قوله لإبليس {لأَملأنَّ جهنَّم منكَ وممَّن تَبعك منهم أجمعين} [ص: 85].
قوله تعالى: {لأَملأنَّ جهنَّم منَ الجنَّة والنَّاس أجمعين} أي: من كفار الفريقين.
{فذُوقوا بما نسيتم لقاءَ يومكم هذا} قال مقاتل: إذا دخلوا النار قالت لهم الخزَنة: فذوقوا العذاب.
وقال غيره: إذا اصطرخوا فيها قيل لهم: ذُوقوا بما نَسيتُم، أي: بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، {إنَّا نَسيناكم} أي: تركناكم من الرَّحمة. اهـ.

.قال ابن جزي:

{تَنزيلُ الكتاب} يعني القرآن {لاَ رَيْبَ فيه} أي لا شك أنه من عند الله عز وجل، ونفي الريب على اعتقاد أهل الحق، وعلى ما هو الأمر في نفسه، لا على اعتقاد أهل الباطل {من رَّبّ العالمين} يتعلق بتنزيل.
{أَمْ يَقُولُونَ} الضمير لقريش و{أَمْ} بمعنى بل، والهمزة {لتُنذرَ} يتعلق بما قبله أو بمحذوف {مَّآ أَتَاهُم مّن نَّذيرٍ} يعني من الفترة من زمن عيسى، وقد جاء الرسل قبل ذلك إبراهيم وغيره، ولما طالت الفترة على هؤلاء أرسل الله رسولًا ينذرهم ليقيم الحجة عليهم.
{استوى عَلَى العرش} قد ذكر في [الأعراف: 53] {مَا لَكُمْ مّن دُونه من وَليٍّ وَلاَ شَفيعٍ} نفي الشفاعة على وجهين أحدها الشفاعة للكفار وهي معدومة على الاطلاق، والآخر: أن الشفاعة للمؤمنين لا تكون إلا بإذن الله كقوله: {مَا من شَفيعٍ إلاَّ من بَعْد إذْنه} [يونس: 3].
{يُدَبّرُ الأمر} أي واحد الأمور، وقيل: المأمور به من الطاعات، والأول أصح {منَ السماء إلَى الأرض} أي ينزل ما دبره وقضاه من السماء وإلى الأرض {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} قال ابن عباس: المعنى ينفذ الله ما قضاه من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه خبر ذلك في يوم من أيام الدنيا مقداره لو سيَر فيه السير المعروف من البشر ألف سنة لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام، فالألف ما بين نزول الأمر إلى الأرض وعروجه إلى السماء، وقيل: إن الله يلقى إلى الملائكة أمور ألف سنة من أعوام البشر وهو يوم من أيام الله، فإذا فرغت ألقي إليهم مثلها، فالمعنى أن الأمور تنفذ عنده لهذه المدّة، ثم تصير إليه آخرًا لأن عاقبة الأمور إاليه، فالعروج على هذه عبارة عن مصير الأمور إليه.
{عَالمُ الغيب والشهادة} الغيب ما غاب عن المخلوقين، والشهادة ما شاهدوه.
{أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أي أتقن جميع المخلوقات، وقرئ بإسكان اللام على البدل {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان من طينٍ} يعني آدم عليه السلام.
{نَسْلَهُ} يعني ذريته {من سُلاَلَةٍ مّن مَّاءٍ مَّهينٍ} يعني المنيّ، والسلام مشتقة من سل يسل، فكأن الماء يسل من الإنسان، والمهين الضعيف.
{ثُمَّ سَوَّاهُ} أي قومه {وَنَفَخَ فيه من رُّوحه} عبارة عن إيجاد الحياة فيه، وأضيفت الروح إلى الله إضافة مُلك إلى ملك، وقد يراد بها الاختصاص، لأن الروح لا يعلم كنهه إلى الله.
{أَءذَا ضَلَلْنَا في الأرض} أي تلفنا وصرنا ترابًا، ومعنى هذا الكلام المحكي عن الكفار استبعاد البعث، والعامل في إذا معنى قولهم: إنا لفي خلق جديد تقديره: نبعث.
{يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت} اسمه عزرائيل وتحت يده ملائكة.
{وَلَوْ ترى} يحتمل أن تكون لو للتمني، وتأويله في حق الله كتأويل الترجي، وقد ذكر، أو تكون للامتناع وجوابها محذوف تقديره: ولو ترى حال المجرمين في الآخرة لرأيت أمرا مهولًا {نَاكسُوا رُءُوسهمْ} عبارة عن الذل والغم والندم {رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمعْنَا} تقديره: يقولون ربنا قد عملنا الحقائق.
{وَلَوْ شئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} يعني أنه لو أراد أن يهدي جميع الخلائق لفعل، فإنه قادر على ذلك بأن يجعل الإيمان في قلوبهم ويدفع عنهم الشيطان والشهوات، ولكن يُضل من يشاء ويهدي من يشاء.
{فَذُوقُوا بمَا نَسيتُمْ} أي يقال لهم: ذوقوا، والنسيان هنا بمعنى الترك. اهـ.